إتيان الرجل الرجل لتصريف الشهوة الجنسية، فاحشة منكرة وإسراف عظيم في اتباع الهوى المنحرف، ونكوص عن الفطرة التي فطر الله عليها مخلوقاته، وبدعة في البشرية لم تكن قبل قوم لوط، قال تعالى في سورة الأعراف:" وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَاتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)
وفاعلو هذه الفاحشة قوم مجرمون، قال تعالى:"وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)الأعراف، وهم من أهل الخبائث الفاسقين، قال تعالى:"وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)الأنبياء، وهم من المعتدين الجاهلين،قال تعالى:"وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)الشعراء، وقال:"أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)النمل، وهم المفسدون بل هم الفساد عينه والمنكر يمشي على قدمين قال تعالى حكاية عن لوط عليه السلام:" قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)العنكبوت، وقال:"أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ(29)العنكبوت، قال الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير بيانا للآية:" فإنهم جعلوا ناديهم للحديث في ذكر هذه الفاحشة والاستعداد لها ومقدماتها كالتغازل برمي الحصى اقتراعا بينهم على من يرمونه، والتظاهر بتزيين الفاحشة زيادة في فسادها وقبحها لأنه معين على نبذ التستر منها ومعين على شيوعها في الناس." ثم إنهم بتماديهم في هذه الفاحشة المنكرة واتساع أمرها في الناس يهددون أصلا من مقاصد الشرائع في حفظ النسل ورواج سوق الزواج الفطري وتكوين الأسر المناسبة لبني البشر، فيقطعون السبل ويفسدون في الأرض، قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى:"وتقطعون السبيل" قيل: كانوا قطاع الطريق؛ قال ابن زيد وقيل: كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة؛ حكاه ابن شجرة وقيل: إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال قال وهب بن منبه أي استغنوا بالرجال عن النساء.
قلت: ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة ويستغنون عن النساء بذلك."
وأهل هذه الفاحشة أيضا ممن لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ملعون من سب أباه ، ملعون من سب أمه ، ملعون من ذبح لغير الله ، ملعون من غير تخوم(حدود) الأرض ، ملعون من كمه(أضل) أعمى عن طريق ، ملعون من وقع(جامعها) على بهيمة ، ملعون من عمل بعمل قوم لوط"
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط " رواه الترمذي في سننه وقال عنه حسن غريب. ورواه ابن ماجة أيضا وحسنه الشيخ الألباني.
فاستحقوا بسبب ظلمهم وبجميع ما سبق غضب الله وعقابه، قال تعالى:"إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)العنكبوت، وقال أيضا:" فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)هود، وقال عنهم في سورة القمر:" وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه "المحلى" في مَسْأَلَةٌ : فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ:" فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْفَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَةِ : كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ , وَالْمَيْتَةِ , وَالدَّمِ , وَالْخَمْرِ , وَالزِّنَى , وَسَائِرِ الْمَعَاصِي , مَنْ أَحَلَّهُ أَوْ أَحَلَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَافِرٌ , مُشْرِكٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ.
حكم فاحشة اللواط:
لا خلاف في استنكار فاحشة اللواط ومقت أهلها من جميع مذاهب المسلمين، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين لا يزالون يومنون بما أنزل إليهم وعموم أهل الأرض من أصحاب القوانين الوضعية إلا من شذ ممن فسد ذوقه ومسخت فطرته، ولعل ما يشبه الإجماع على تسمية هذه الفاحشة بالشذوذ وتسمية أهلها بالشواذ، دليل على المقت والاستنكار وتجريم الفعلة، وإنما الخلاف في نوع العقوبة التي ينبغي أن تنزل بهذا المسخ البشري.
القائلون بقتل اللواطيين:
مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة:
جاء في موطأ إمام دار الهجرة في كتاب الحدود: باب ما جاء في الرجم، قال يحيى بن يحيى الليثي حدثني مالك انه سأل بن شهاب عن الذي يعمل عمل قوم لوط فقال بن شهاب:" عليه الرجم أحصن أو لم يحصن"
وقال ابن حزم في المحلى في مَسْأَلَةٌ : هَلْ تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ أَمْ لاَ ؟: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحُدُّونَ بِالْحَبَلِ وَلَعَلَّهُ مِنْ إكْرَاهٍ وَيَرْجُمُونَ الْمُحْصَنَ إذَا وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا , أَوْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ"
وقال الشافعي في كتاب "الأم" باب الحدود:" أخبرنا رجل عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن الوليد عن يزيد أراه ابن مذكور أن عليا رضي الله تعالى عنه رجم لوطيا وبهذا نأخذ نرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن، وهذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب يقول: السنة أن يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن " رجع الشافعي " فقال: لا يرجم إلا أن يكون قد أحصن وعكرمة يرويه عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم"
وفي كتاب اختلاف الأئمة لابن هبيرة الحنبلي: أن أظهر الروايتين عن أحمد أن في اللواط الرجم بكل حال، أي محصنا كان أو غير محصن، وفي رواية عنه أنه كالزنى.
وفي المغني لابن قدامة في باب الحدود في شرحه لقول صاحب المتن" [ومن تلوط قتل, بكرا كان أو ثيبا في إحدى الروايتين والأخرى حكمه حكم الزاني] قال:" واختلفت الرواية عن أحمد - رحمه الله - في حده فروى عنه أن حده الرجم بكرا كان أو ثيبا وهذا قول علي, وابن عباس وجابر بن زيد وعبد الله بن معمر, والزهري وأبي حبيب وربيعة, ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي والرواية الثانية, أن حده حد الزاني وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن, والنخعي وقتادة والأوزاعي, وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور, وهو المشهور من قولي الشافعي" ومما استدل به لأحمد " لما روى صفوان بن سليم, عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحى العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر فاستشار أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ الصحابة فيه, فكان على أشدهم قولا فيه فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك, فحرقه"
وقال ابن حزم في نفس المسألة السابقة التي أوردناها له:"ثُمَّ حَرَقَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ حَرَقَهُمَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ حَرَقَهُمَا الْقَسْرِيُّ بِالْعِرَاقِ."
ومما أورده ابن حزم من أقوال القائلين بقتل اللوطي عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ :" لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَكَانَ يَنْبَغِي لِلُوطِيِّ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ(…) وعن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ , قَالَ : شَهِدْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأُتِيَ بِسَبْعَةٍ أَخَذُوا فِي اللِّوَاطِ فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَوَجَدَ أَرْبَعَةً قَدْ أَحْصنُوا , فَأَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ رُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا , وَجَلَدَ ثَلاَثَةً الْحَدَّ وَعِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ عُمَرَ , فَلَمْ يُنْكِرَا ذَلِكَ عَلَيْهِ."
حكم اللواط عند الشيعة:
وأما الشيعة فيحرمونه أيضا قولا واحدا لا خلاف فيه عندهم وحكمه القتل.جاء في -المقنع- للشيخ الصدوق ص 430 وهو من الشيعة الإمامية: " واعلم أن حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج ، لأن الله أهلك أمة بحرمة الدبر ، ولم يهلك أحدا بحرمة الفرج. واعلم أن عقوبة من لاط بغلام أن يحرق بالنار ، أو يهدم عليه حائط ، أو يضرب ضربة بالسيف"
وقال الشوكاني من الشيعة الزيدية في نيل الأوطار-
باب من وقع على ذات محرم أو عمل عمل قوم لوط أو أتى بهيمة- "وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه رجم لوطيًا قال الشافعي: وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنًا كان أو غير محصن "
حكم فاحشة اللواط عند الخوارج:
وعند الإباضية من فرق الخوارج، قال محمد بن يوسف بن عيسى أطفيش (ت 1332ه) في شرح النيل وشفاء العليل الجزء14 ص 787 وهو يتحدث في باب إتيان البهيمة حيث عرض لحكم اللواط أيضا:"وَيُرْجَمُ فَاعِلُ ذَلِكَ ; وَقِيلَ : يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ …. } , (…) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُجْلَدُ اللَّائِطُ وَالْمَلُوطُ بِهِ مِائَةً , وَإِنْ أَحْصَنَا رُجِمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعَزَّرَانِ مُطْلَقًا , وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جُلِدَ خَمْسِينَ , وَقِيلَ : يُرْجَمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَمَنْ أَتَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَحَدُّ الزِّنَى , وَقِيلَ : حَدُّ اللِّوَاطِ , وَفِي سِحَاقِ النِّسَاءِ أَدَبٌ بِنَظَرِ الْإِمَامِ , وَقِيلَ : تُجْلَدَانِ "
وتجدر الإشارة إلى أن المراد بالمفعول به المدان عند الفقهاء هو الذكر البالغ المكلف المختار الذي رضي بالفاحشة وإلا فإن كان المفعول به صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً فلا حدّ عليه.
حكم فاحشة اللواط في التوراة والإنجيل:
جاء في الإصحاح الثامن عشر من سفر التكوين (العهد القديم):"وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ."
وجاء في الإصحاح العشرين من سفر اللاويين" وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ، فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْسًا. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا."
وفي "العهد الجديد" من رسالة بولس الإصحاح الأول استمرار في تأكيد الأحكام التي قبله في حق اللواطيين وغيرهم:" النَّامُوسَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ، بَلْ لِلأَثَمَةِ وَالْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْفُجَّارِ وَالْخُطَاةِ، لِلدَّنِسِينَ وَالْمُسْتَبِيحِينَ، لِقَاتِلِي الآبَاءِ وَقَاتِلِي الأُمَّهَاتِ، لِقَاتِلِي النَّاسِ، 10لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِي الذُّكُورِ، لِسَارِقِي النَّاسِ، لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ" وما يؤكد استمرار تلك الشريعة أيضا ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل متى" لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ."
القائلون بتعزير اللواطيين بما لا يصل إلى القتل:
مذهب الحنفية وأهل الظاهر:
قال ابن حزم في نفس المسألة السابقة التي نقلنا كلامه فيها والمتعلقة بعمل قوم لوط:" وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ حَدَّ عَلَيْهِمَا ، وَلاَ قَتْلَ , لَكِنْ يُعَزَّرَانِ. وذلك لما روى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ : يُجْلَدُ دُونَ الْحَدِّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَنْ اتَّبَعَهُ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، ثم انتصر لهذا المذهب وفند آراء المذاهب، ثم قال:"فَإِذْ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ قَتْلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ حَدَّ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ، وَلاَ رَسُولَهُ عليه السلام فَحُكْمُهُ أَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا فَالْوَاجِبُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ , فَوَاجِبٌ أَنْ يضْرِبَ التَّعْزِيرَ الَّذِي حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r فِي ذَلِكَ لاَ أَكْثَرَ , ثم روى بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنْ النِّسَاءِ , وَقَالَ : أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ , وَأَخْرَجَ فُلاَنًا , وَأَخْرَجَ فُلاَنًا.
وَأَمَّا السِّجْنُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ". وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ كَفَّ ضَرَرِ فِعْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ النَّاكِحِينَ وَالْمَنْكُوحِينَ ، عَنِ النَّاسِ عَوْنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى , وَإِنَّ إهْمَالَهُمْ عَوْنٌ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , فَوَجَبَ كَفُّهُمْ بِمَا لاَ يُسْتَبَاحُ بِهِ لَهُمْ دَمٌ , وَلاَ بَشَرَةٌ , وَلاَ مَالٌ.
ويصل التعزير بالسجن لفاعل عمل قوم لوط في بعض الآراء إلى السجن المؤبد، جاء في الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف الكويتية في باب الحبس وفي نقطة "الحبس المؤبد" ما يلي" ذكر الفقهاء وقائع ونصوصا تدلّ على مشروعيّة الحبس المؤبّد ، من ذلك : أنّ عثمان رضي الله عنه حبس ضابئ بن الحارث حتّى مات في سجنه . وأنّ عليّا قضى بحبس من أمسك رجلا ليقتله آخر أن يحبس حتّى الموت . وكذا يحبس مدى الحياة من يعمل عمل قوم لوط . والدّاعي إلى البدعة . ومزيّف النّقود . ومن تكرّرت جرائمه . والعائد إلى السّرقة في الثّالثة بعد حدّه في المرّة الأولى والثّانية . ومن يكثر إيذاء النّاس . والمتمرّد العاتي . ومدمن الخمر ."
انتصار ابن عبد البر لرأي الجمهور:
قال ابن عبد البر في الاستذكار ج7ص:495:" وقال أبو حنيفة وداود يعزر اللوطي ولا حد عليه إلا الأدب والتعزير إلا ان التعزير عند ابي حنيفة اشد الضرب، وحجتهم قول رسول الله ( لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان او زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق ) وهذا حديث قيل في وقت ثم نزل بعده إباحة دم الساعي بالفساد في الارض وقاطع السبيل وعامل عمل قوم لوط ومن شق عصى المسلمين وقد قال رسول الله ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما ) وجاء النص فيمن عمل عمل قوم لوط ( فاقتلوه ) وهذا من نحو قول الله عز وجل:" لا أجد في ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه" الانعام 145 ثم حرم الله عز وجل بعد ذلك أشياء كثيرة في كتابه او على لسان نبيه منها أن اللوطي زان واللواط زنى وأقبح من الزنى، وقد روي عن النبي انه قال ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) ولم يبلغنا انه لعن الزاني بل أمر بالستر عليه.
حكم اللواط في القانون المغربي:"
أما القانون المغربي المعمول به في زماننا، فقد جاء في الفصل 489 من القانون الجنائي:"يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه، ما لم يكن فعله جريمة أشد."
ترجيح حكم التعزير بما يردع اللواطيين:
قال تعالى:" واللذان ياتيانها منكم فآذوهما . فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما".
جمهور المفسرين على أن هذا كان يفعل بالبكر والثيب في أول الإسلام، ثم نزل حد الزاني فصار الحبس والأذى منسوخا، نسخته الآية التي في سورة النور (الزانية والزاني...) (النور الآية 2).في حين يرى البعض أن الآية في إتيان الرجل الرجل وهو الظاهر والله أعلم، يقول سيد قطب رحمه الله تعالى:"والأوضح أن المقصود بقوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم . . .)هما الرجلان يأتيان الفاحشة الشاذة . وهو قول مجاهد - رضي الله عنه - وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما
فآذوهما):هو الشتم والتعيير والضرب بالنعال !
وعند السيوطي في الدر المنثور" أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {واللذان يأتيانها منكم} قال: الرجلان الفاعلان"
وإذا كان النسخ ثابتا في حكم قول الله تعالى:" وَاللاَّتِي يَاتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)النساء، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الله لهن مخرجا الجلد للبكر والرجم للمحصنة، فالأمر ليس كذلك بنفس الوضوح في قوله تعالى:" وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)النساء، فيبقى الحكم على الأصل حتى يرد ما يرفعه، وليس مما يرفعه اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم عندما يقدرون ما يناسب زمانهم، وإنما نتعلم منهم تقدير ما يناسب زماننا.
والتعزير أنسب لزماننا وأحوالنا وظروف الأمة، وهو إلى نظر الحكام بما يحقق المقصود ويقطع دابر الفتنة والفاحشة، واجتماع أهل الظاهر - ممن لا يتهمون بإهمالهم للنصوص الشرعية- مع الحنفية - أهل التعمق في النظر واستحضار مقاصد النصوص- في ترجيح هذا الرأي له وجه معتبر، فحديث "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" مختلف في صحته ولا يجوز أن تهدر الدماء المعصومة بمثله، قال الترمذي الذي روى الحديث عن ابن عباس " وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال ملعون من عمل عمل قوم لوط ولم يذكر فيه القتل" وذكر فيه ملعون من أتى بهيمة وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به.
قال أبو عيسى (الترمذي) هذا حديث في إسناده مقال ولا نعرف أحدا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه، واختلف أهل العلم في حد اللوطي.. "
كما أن القياس على فعل الله تعالى بقوم لوط ليس محل إجماع أهل النظر والأصول لاجتماع عدد من المنكرات فيهم من الشرك والكفر وهمهم إلحاق الأذى بنبي الله وضيوفه كما أن التعذيب بالنار لا يفعله إلا رب النار.
ومهما يكن من ميل النفس إلى التشديد في العقوبة على أصحاب هذه الفاحشة المنكرة، فإن الأهم من ذلك هو التركيز على البعد التربوي والوقائي لهؤلاء ولجميع أفراد المجتمع، والإبقاء على تجريم هذا الفعل في نظر الأجيال كما هو الحال في القانون المغربي وفي معظم قوانين الدنيا إلا ما شذ منها، والحيلولة دون التطبيع مع هذا المنكر، ودفع المبتلين إلى التستر وعدم المجاهرة لما في المجاهرة من منكر زائد، ومجرد بقائه جريمة يصفع شواذ الإعلاميين والكتاب المدافعين عن الشذوذ، باعتبارهم ينعقون خارج دولة الحق والقانون.